3 / 13

بلا عنوان – لي

Illustrated by Lee El Sayed

المدينة مكتظة. هذا المكان مكتظ أيضًا، ولكن ليس بالمعنى نفسه. شوارع المدينة تعمها الضوضاء. أما هنا، فجلُّ ما تسمعه هو صوتك. تتكلم ولكن لا تسمع كل كلمة تتفوه بها، أو على الأقل لا تشعر بأن صوتك يخرج منك إلى الملأ. هنا نسمع أصواتنا؛ لا، غيّرت رأيي. نسمعها حتى حين تبقى شفتانا مطبقتين. في شقة مؤلفة من غرفة واحدة يجلس كل من “لي” و”ألّا”. شراشف بيضاء تغطي السرير الكبير في الغرفة، لا شك أنه كبير. نباتات بأوراق خضراء تتدلى فوق السرير الأبيض الكبير وهو بحميميته أقرب ما يكون إلى منزل دافئ.هو منزل داخل منزل.
المنزل هو المكان الذي يُفترض أن تجد فيه الراحة، لكن الجميع يتجه دائمًا وأبدًا نحو السرير،
أو على الأقل هذا ما يحصل مع “ألّا” و”لي”. ليس ذلك رغبة منهما بالاستلقاء، رغم أن هذا ما يحصل بالفعل، بل ثمة نزعة (فطرية) تدفعهما بهذا الاتجاه. إنّ هذا المنزل داخل منزل مرتكز على منصة خشبية تحمل بعضًا من “لي” وبعضًا من “ألّا”. عليها أغراضهما التي وُضعت هناك لتكون دائمًا بمتناول اليد. في الغرفة إبريق شاي صيني من الخشب يحافظ على الحرارة. الاستلقاء على السرير وشرب الشاي عادةٌ محببة لهما.
تعانق أشعة الشمس جدران الغرفة البيضاء بشيء من الإلفة. التهوية في الغرفة تجعل الجو عبقًا بعض الشيء، لكنه يبعث على الراحة. تفوح رائحة الشاي والفطائر. يستقر عصفوران عند النافذة إلى جانب السرير. أنا “لي”. لا زالت تنقصني الكلمات لأصف نفسي. أما “ألّا”، فهي إمرأة طويلة القامة وشعرها مجعد قصير يغطي جبهتها. هكذا تحب أن تتركه. هي ذكية وتتحدث بصوت ناعم. أحيانًا تخشى من وعيها، لكنها تشكك في احتمال عدم امتلاكها الوعي الكافي، رغم أنها تدرك أن الوعي موجود. الأمر غريب. في العادة، ليست “ألا” كثيرة الكلام أو الأكثر صخبًا في الغرفة، بل تحيط بها هالة من الهدوء. يا ليتها تشعر بهذا الهدوء الذي يلفّها. الجميع يريد التحدث إلى “ألّا”. أعرف أن ذلك لا علاقة له بسرّ الجاذبية، ولكن ببساطة كلما تحدثت إلى “ألّا”، أردت التحدث إليها أكثر. أرى أن كلاً من “ألّا” و”لي” لديهما حس من اليقظة. البقاء في تيقظ هو الأهم بالنسبة إليهما.
بعد أشهر من العزلة، ها هما يـ/تجلسان على السرير. أحيانًا من الصعب الجزم ما إذا فُرضت هذه العزلة عليهما طوال هذه المدة أو أنها تحولت إلى خيار شخصي في وقت من الأوقات، وخيار يوحي بالراحة. ينطبق ذلك على الحزن ولا يسعنا إلا أن نطرح على أنفسنا السؤال نفسه. هل هو حقًا خيار؟ في هذه الحالة، الخيار هو ما إذا تقرر التشكيك به أم لا. بالنسبة إلى “ألّا” و”لي”، كان هذا التساؤل الذي لم يفارقهما طوال هذه الفترة. هما يـ/تبذلان كل ما في وسعهما وهذا هو المهم.
أتحدث عن نفسي باستخدام صيغة الغائب. ربما هذه هي طريقتي للتفكير والتأمل. ربما هذه هي طريقتي لأرى تصرفاتي وأسمع أقوالي. أرى نفسي وأنا أحيا. ربما “ألّا” تناسبني وآمل أن أناسب “ألّا” بدوري. ربما ما يحتاجه الجميع هو التحدث بصدق. لم يمر على البشر أي زمن كانوا فيه بغنى عن التحدث إلى بعضهم البعض. ولكن لم يتم الإفصاح عن هذه الرغبة التي تنم عن حاجة ملحة. أنا و”ألّا” كنا في بحث دائم عن الأجوبة والحلول. في العزلة، سواء كانت اختيارية أم اجبارية أو الاثنين معًا، أمسكت يدا “لي” بكل قطعة من لعبة التركيب وقلّبتها مئة مرة، كلعبة الجينغا. وأذكر هذه اللعبة لأنها كانت مسلية أحيانًا، على الرغم من التوتر والخشية من أن تقع القطع كلها وأن تنهار حتى القاعدة. نعيش أغلب أوقات حياتنا وكلنا ظن أن كل ما علينا التفكير فيه هو اختيار سقف المنزل الذي نبنيه لأنفسنا وأحجاره وأبوابه وجدرانه ونوافذه. ونستهين بأرض المنزل وكأنها من المسلّمات. نريدها صلبة وثابتة، غير قابلة للاهتزاز. معظم منازلنا مبنية فوق حمم بركانية. لا أظن أن أيًا من “لي” أو “ألّا” يبحثان عن منزل حجر أساسه مكوّن من الحمم البركانية، بل عن منزل دافئ لهما ويتسع لرغبتهما في أن يصبح لهما منزل يجمعهما معًا.