13 / 13

بلا عنوان – سوسن

Illustrated by Lee El Sayed

تحكمنا عادات وتقاليد تفرض فيها العائلة على الأفراد قةانين من الصعب تجنبها أو تجاوزها وهذا ما كان مع مريم، التي حكمتها العادة السيئة التي قالت “إبن العم لبنت العم.”

قد ذهب إبن عم مريم، وتزوج من دون علم أهله، وترك مريم معلّقةعلى إسمه، ولم يرتبط بها. إختار غيرها، ووجد سعادته مع أنثى إختارها بنفسه، بعيداً عن تقاليد العائلة، في بلاد بعيدة.

مريم لم يتقدم لها أحد لخطبتها، فهي “لإبن عمّها”، وهو أصبح لغيرها، وبقيت في البيت. وقف، ممنوع بييعه أو شراءه.

صارت بعد وفاة أمها، هي الأم وهي المعيلة، وهي من تعلقت عليها كل الأعباء، وصارت تنفّذ الأوامر والنواهي، ولا يسمع صوتها، تصل للفراش منهكة، متعبة، تمشي كل النهار بأرجاء البيت، ترتّب وتنظّف، تطبخ، وتقوم بكل الأمور دون مساعدة، ولم تقصّر بمهامها. كان أبوها همّ لوحده، لكثرة طلباته وأوامره وتدخّلاته بالكبيرة والصغيرة والشاردة والواردة، وصارت بلا أن تدري، خادمة في البيت وليست سيدة، صارت تؤؤمر ولا تأمر، تطيع ولا تطاع، تسمع ولا تُسمع.

أختها أصغر منها، أصرّت على الزواج ممن تحب، ونالت ما سعت إليه، أما مريم فلا تملك جرأة سعديّة في مواجهة الأمور.

مضت السنوات وأنجبت سعديّة طفلاً، وحملت بالآخر، ولا زالت مريم تحلم بإرتداء الأبيض، تُزف فيه لرجل يشهرها أنها أنثى تستحق الحياة، وتستحق أن ترى خاتماً يلمع بيدها، يعبر أنها مرتبطة، لا أنها تُركت من غير مصير، وأنها كانت طفلة عندما ربط أهلها إسمها بإسم من لم يرها يوماً إلا أختاً له.

في كل مناسبة تخص العائلة أو بنات القرية، نتذكر ما حصل معها وتبكي بينها وبين نفسها وتتسائل: “إلى متى سأبقى هكذا؟ ألا تريد الدنيا أن تبتسم لي؟” الحياة بالنسبة لها صارت عمل وعمل وعمل فقط، لا شيء خر.

تسأل أسئلة بلا أجوبة، تسأل بدون أن يتغير شيء في حياتها، إلى أن جاء شيء ضمن حياتها ويخرجها بالقوة. أتت الحروب لتخرج مريم، ليس من البيت فقط، بل من ما كانت عليه من جمود. إنها الحروب التي لم تترك شيء أو أحد على حاله.

خرجت من بيتها، وتركت بلدتها الصغيرة التي لا سبيل لتغيير عادات أهلها إلا من خلال تفرقتهم وجعلهم في كل مكان.

بقيت مريم مع والدها الذي لا يريد أن يترك بيته رغم القذائف ورغم الدمار. جائت قذيفة أكلت قسماً منه وشوهت الباقي، ولم ترحم بيته. ولم تزل أصوات المدافع والطائرات تسمع قبل أن يدفنوا أحياء تحت أنقاض منزلهم.

أحست مريم أن المشي بين النيران يشبه حياتها، تنهال عليها أنواع قذائف لا تستطيع أن تفعل شيئاً حيالها.

ذهبت مريم إلى قرية أكثر أماناً، وحاولت التفتيش عن منزل. لم تعرف من أين تبدأ أن تسأل، فهي لا تملك تجارب تجعلها تحسن التصرف، رغم كبر عمرها، إلا أنها لا تعرف تدبير أمور الحياة، وخارج جدران المنزل لا تعرف شيئاً.

وجدت مريم شخص ساعدها مع والدها، ووجد لها مأوى، وأحضر لها عشاء، فراحت تشكر به بإستحياء وخجل، فلولاه لبقيت بالعراء دون مأوى.

كان رجلاً ميسور الحال وعنده ثلاثة أطفال، وتعاني زوجته من مشاكل، وتعيش معه أمه التي تشكوا من أمراض مزمنة، أقعدتها على كرسي، لكن لسانها بقي بصحة جيدة، وعوض للنقص في حركتها.

قررت مريم الإرتباط به لما وجدت من رجولته وشهامته ولهفته وكرمه، لكنها لا تقوى حتى على التعبير أنها بحاجة إلى ذلك أو التلميح له بأنها عذباء وتريد الزواج منه.

لم تستطيع الإفصاح بذلك حتى أمام أختها سعدية، وبقيت تتمنى أن يطلب منها الزواج من دون أن يكون لها علاقة بذلك.

أبقت على ذلك في سرها ولم تعلن عن رغبتها، تمنت أن يراها أنثى، تمنت أن يشعر بضعفها، تمنت أن يمد يده إليها ليخرجها مما هي فيه، لكنها لم تعمل لهذا الموضوع، ولم تحرك ساكناً.

جائت أختها سعدية يوماً ما تسأل عنها وعن والدها، فرأتها تلبس ثياباً قديمة، مرّ عليها سنين، وقد ظهرت أكبر من عمرها، ويعلوا صدرها هم.

دخلتا المطبخ سوية وأخذتا تتحدثان، سألت سعدية: “أليس هذا الثوب لأمي رحمها الله؟”

مريم: “إيه، إلها… ليش أنا عندي ثياب أو شي خاص فيني؟”

دمعت عينها، كفتت دمعتها، وغيرت الحديث، في محاولة منها أن تشغل سعدية بأشياء أخرى في امطبخ، لكن سعدية رأت في وجهها شيئاً غريباً وسألتها: “شو في مريم، أنت متغيرة وصايرة تعترضي، ما كنتي قبل هيك، شايفتك عم تتنهدي وتصفني وتشردي، شو القصة؟”

أطلقت مريم تنهيدة طويلة، وقالت بحزن شديد: “أنا ما بحقلي أعترض؟ ولا بحقلي عبر عن حالي؟ تعوّدتوا عالخدامة مريم بلا صوت”

-“مو هيك القصة، صايرة حساسة يا مريم”

ردّت مريم بتهكم: “كمان المفروض كون بلا إحساس أحسنلكن؟”

-“لا، معناها عنجد في شي قصة، هاتي إحكيلي”

-“ليش بحقلي يكون في عندي قصص بحياتي؟ كل القصة إني تعبت”

-“يعني حابة تغيري حياتك؟”

-“آه، يا ريت”

-“برافو. أخيراً حسيتس إنك لازم تغيري، لازم تحسي بحالك بنت مرغوبة. بتعرفي، في حدا حكى عنك شغلات حلوة، وأنا افتخرت إنك أختي، وكنت سعيدة فيكي”

-“وشو الفائدة؟ إذا ما حدا حاسس فيني ولا بيعرف أنا شو بني”

-“يا أختي يا حبيبتي، إنت لازم تبلشي تشوفي حالك حتى الناس تشوفك”

-“أوّل مرّة بسمع هالحكي… أنا لازم شوف حالي”

إنتهى الحوار بصرخة من والدها، لكنه علق داخلها، وزادها تساؤلات كثيرة.

لم تعد مريم كما كانت، فقد كانت لحظات عمرها تدخل مرحلة جديدة من التمرد، ستغير حياتها للأبد.

باتت مريم تتعمق بالتفكير، وتطرح أسئلة على نفسها، وكانت الأصوات من داخلها تترجم أفعالاً، صارت تتجرأ أن تقول “لا” في بعض الأحيان، وقد طلبت من أحدهم طلب طلباً خاصاً لم تكن لتفعل ذلك من قبل.
ما شعرت به مريم من قبل أعطاها ردة فعل عنيفة، هزتها من الداخل، وجعلت أشيائ كثيرة تتغير.

في يوم ما، أفاقت من نومها منزعجة، فراحت إلى الخزانة، ولبست ثياب أختها، وقالت “أنا رايحة”

بدت علامات التعجب بكل الأشكال تظهر على الحاضرين، وتتالت الأسئلة: “من هب التي خرجت؟ هل هذه مريم؟”