اثناء تجوّلي في أحد المخيّمات (مخيّمات اللجوء)، دُهشت من تجمّع كبير في ساحة المخيم، وبعد سؤالي عن سبب هذا التجمع، عرفت أنه اليوم ستكون خطوبة فاتن، قتاة تبلغ من العمر (15) عاماً، على رجل كبير في السّن، لديه الكثير من المال. لم أتمالك نفسي من هذا الخبر المحزن، وأكثر من محزن، بالنسبة إليّ. ذهبت مسرعة إلى خيمة أهل فاتن، مجرّد أن سمعت صوتي خرجت من غرفتها. ارتمت بين ذراعيّ وعيونها مليئة بالدموع، كانت تبدو عليها علامات الحزن واليأس والكآبة.
صرخت فاتن في وجهي متوسّلة: “أرجوكي أنقذيني من ذلك الشبح الذي سيمتلكني، أبي سيزوجني منه ليتخلص من مصروفي ومصروف دراستي، وليسدد ديونه بالمهر. لا أريد أن أترك المدرسة، أحب مدرستي كثيراً، ورفاقي أيضاً. أريد أن ألعب معهم بالشارع.”
هذا ما قالته لي تلك الفتاة البريئة. كانت الأم شاحبة الوجه، مضطربة، صامتة، لم تحرّك ساكناً، مجبرة على تنفيذ الحكم الصادر عن الأب، كونه رب الأسرة، المسؤول الأول عن إصدار القرارات بحق أفرادها، دون إستشارتهم. يقرر ما يراه هو مناسب، حتى لو كان بذلك يقضي على طفولة إبنته.
طلبت أن أتحدّث مع الأب وأتناقش معه، وأوضح له بذلك خطورة ما قرّر بشأن إبنته. حاولت كثيراً إقناعه بتغيير رأيه. شرح لي هو وجهة نظره، أخبرني أن قراره يستند به للعادات والتقاليد التي نشأ ورتربى عليها، والتي تقول أن الفتاة يجب ألّا تذهب إلى المدرسة بعد سنّ (15) عاماً، متى ما ظهرت عليها علامات الأنوثة. بنظره، إنها أصبحت جاهزة لتصبح زوجة وأم. أخبرني أنه يخاف من نظرة الناس إن تركها دون زواج، أو تأخرت عن الزواج. لمعتقدات الناس وجود سبباً في تأخير الزواج، ويخاف أيضاً أن تقع إبنته في الغلط. إنه برأيه، قرار صحيح قد إتخذه بتزويجها، “أوّلاً وأخيراً، مكان المرأة بيت زوجها وتربية أطفالها.”
أخبرته أنه بيده تغيير هذه العادات والتقاليد بدءً من أسرته. لا يهم أنه من ذلك المجتمع المتمسّك بعادات وتقاليد ظالمة، يمكنه أن يصنع تغييراً بنفسه داخل أسرته، ويكون شخصاً أفضل يقف إلى جانب إبنته، يشجّعها على متابعة دراستها وعيش طفولتها بحب وسلام، وصولاً إلى تحقيق ما تطمح إليه.
إلى متى سسيبفى هذا الحال في مجتمعنا؟ إلى متى سيبقى حق الفتيات والنساء مضطهداً؟ هل من المعقول فتاة بعمر الزهور، بالغة من العمر (15) عاماً، تبحث عن لعبتها وعن أولاد الجيران لتلعب معهم، هل من المعقول أن تصبح زوجة وأم تتحمل مسؤولية زوج وأهل زوج وأطفال؟
بعد فترة قصيرة من الزمن، تواصلت معي الفتاة، وأخبرتني أن والدها إعتذر من العريس وأخبره أن يبحث عن فتاة ناضجة، قادرة على تحمّل مسؤولية الزواج.
أصبح يشجّع إبنته على متابعة دراستها، وتواصل مع إحدى الجمعيات التي عملت على قضية مصاريف الدراسة، ومساعدته في تحمّل مصاريف الأسرة بتأمين عمل ميسور له، وأصبح مع مرور الزمن الأب وأسرته من الناصحين لأهالي المخيم بعدم الوقوع بالغلط نفسه والطمع بالمال، لأن المال يذهب ويعود، أما اطفالنا هم أمانة في أعناقنا، مسؤولين عنهم أمام الله.
ما أجمل أن ييدرك الآباء والأمهات خطورة هذا الموضوع، ويقفون إلى جانب بناتهم، يكونون لهن سند ودعم قي العيش حياة جديدة غير متأثّرة بعادات وتقاليد ظالمة، مبنية على (العيب والحرام).
لنكن يداً واحدة متعاونة وداعمة للجيل الناشئ من الفتيات ومساعدته بالقدرة على التطور والأستمرار في تغيير مثل هذه العادات. لنزيد من عمليات دعم وتمكين الفتيات والنساء، وصولاً إلى الإستقلالية وحرية الإختيار، والتجرّد من الدور النمطي، والحرص على متابعة تعليم الفتيات لأنشاء أمهات وزوجات واعيات، قادرات على التغيير.
نبدأ بأنفسنا، ثمّ نوسّع دائرة التّغيير، لنكون في كلّ مكان، وصولاً إلى تحقيق العدل والمساواة والقضاء على التمييز بكافة أشكاله.
من حقّ المرأة معرفة كامل حقوقها والمطالبة بها وبشدّة، ووضع رقابة عليها، ومن حقّها العيش في مجتمع عادل، متقدّم، ومتطوّر، دون توقّف.
“أن تدرك كيف تفكّر، هذا بداية التغيير”
“التغيير يساعد على تقدّم الإنسان وعلى تحقيقه المزيد من النجاحات على أرض الواقع”
“لا يهم من أنت، أو ماذا فعلت، أو من أين أتيت، يمكنك دائماً أن تصنع التغيير وتكون شخصاً أفضل مما أنت عليه الآن”
“اللحظة قد تغيّر يومك. اليوم قد يغيّر حياتك. حياتك قد تغيّر العالم”